عبد الرحمن محمد مصطفي المرسي الجندي (عبد الرحمن الجندي) – اليوم السادس من أكتوبر عام 2013م

اسم السجين (اسم الشهرة) : عبد الرحمن محمد مصطفي المرسي الجندي (عبد الرحمن الجندي)

النوع الاجتماعي : ذكر

تاريخ تحرير أو نشر الرسالة : 10/6/2017

السن وقت الاحتجاز: 18 عام

الوظيفة – نشاط بالمجال العام: طالب بكلية الهندسة بالجامعة الألمانية بالقاهرة

مكان احتجاز المرسل : منطقة سجون/تأهيل وادي النطرون

اليوم السادس من أكتوبر عام 2013م

اليوم السادس من أكتوبر عام 2013م في معسكر السلام للأمن المركزى كنت أجلس متكوما فوق أبي و فوقى شخص غريب و حولنا 60 شخصا أخرون فى زنزانة ضيقة طولها خمسة أمتار فى عرض 4 أمتار، و حمام ضيق قذر فى الركن ،أحدق أمامى مذهولا فى مشهد لم أظن فى حياتى أنه يوجد خارج الأفلام ناهيك عن كونى أحد أبطاله أغلق عينى بقوة و أفتحها عسى أستيقظ من هذا الواقع الذى فاق أعتى الكوابيس ،علنى أجد نفسى نائما فى سريرى، فأتنفس الصعداء و أرجع إلى نومى.
لم أستيقظ فتحت عينى على نفس المنظر مرة أخرى ، ستون شخصا متكومون فوق بعضهم حرفيا ،تحتى شخص و فوقى شخص و عن يمينى و عن شمالى العشرات. أتنفس بصعوبة و أشعر بأبى فى حالة صدمة ، أشعر بالرعب. كنت لأول مرة فى حياتى أراه غير قادر على التصرف أو إيجاد حل أو مخرج ،قد يموت فى أى لحظة. أدركت مصدوما ،لا يمتلك دواء الضغط و السيولة معه الأن ،لم يكن ما حدث فى حسبانه. لم يكن فى حسبان أى أحد.
أغمضت عينى مرة أخرى حاولت بيأس لم أستيقظ مر عامان منذ هذه اللحظة ،فجر يوم السابع من أكتوبر، كان من المفترض أن أكون متوجها لأول يوم لى فى كلية الهندسة بالجامعة الألمانية بالقاهرة. فتح الباب و قذف بشوال داخل الزنزانة، ثم أغلق الباب بشدة حاولت تحريك لرقبتى …
و نظرت فى الشوال عيش، و حلاوة لأول مرة منذ لحظة القبض علينا، بكيت و كأن الحلاوة أفاقتنى و جعلتنى أدرك حقيقة ما أنا فيه بكيت بقوة و أهتز جسدى شعرت بأبى يحتضننى سمعته يحكى لمن حولنا عن جامعتى و قصتنا و أنى متأثر لأن اليوم أول يوم لى بالجامعة الألمانية ، كنت مرتديا “hoodie” أسود كبير، غطيت رأسى كى لا أرى أحدا. أحسست بحركة أمامى و أجساد تتباعد و أحدهم يتأسف للناس و هو يمر.
شعرت بتربيت على كتفى رفعت رأسى و نظرت كان بنى العينين، أبيض و شعره كثيف مرتفع من الأمام، وذقنه على شكل “Douglas” .
– “أنت فى ال GUC ؟ سألنى بابتسامة
– “المفروض النهاردة أول يوم لىا فى هندسة” أجبت
– “طب يا عم احمد ربنا !
السجن أرحم من ال GUC مليون مرة!” رد ضاحكاً
ابتسمت ببطء و أنا أنظر إليه مستفهما.
-“اصل انا كنت فى ال GUC بس شلت الCS وحولت BUE انا فى هندسه برضه” قال بابتسامة.
نظرت باهتمام شعرت شعور من يكون فى بلد غريبه لا يعرف بها احد ،ثم يقابل بالصدفه احد بلدياته ويكلمه بلغته !
-” انا ايمن على” مد يده مصافحا
– “عبد الرحمن الجندى” مدت يدى وصافحته مبتسما
لم اعلم لحظتها انى كنت اصافح من سيكون اقرب شخص لى واكثر من اخى فى هذه المحنه خلال الاعوام المقبله فى حياتنا لحظات مهمه نقابل فيها اشخاصا او نتخذ قرارات او نمر بمواقف ، ولا نعلم لحظتها انها ستغير حياتنا للابد .
– “ماتزعلش يا عم ” اول اسبوع كده كده lecture week محدش بيروحه ، واساسا مش هنكمل اسبوع اكيد ان شاء الله ، كلها يومين ونطلع” قال ايمن مطمئنا تحولت هذه الى نكتتنا السنويه ، فبعد عام كامل ، فى سجن طره ، اول يوم فى العام الدراسى ، اذهب اليه ضاحكا واقول :
-” ياسطى النهارده اول يوم فى الدراسه ! ”
-“يا عم كده كده اول اسبوع lecture week متخفش !” يقول ونضحك كلانا.
يمر عام اخر ونجلس فى التريض بعد انتهاء العيد نتحدث . اصمت فجأه ثم انظر اليه .
– ” بقولك ايه ؟”
-” ايه ؟” يسأل
-” النهارده اول يوم جامعه .تفتكر هلحق ال lecture week السنادى؟”.
ننفجر ضاحكين حنى نتعب لا خيار امامنا مره فى المعسكر ، مره فى طره ، مره في وادى النطرون ، مر 4 اعوان لففت فيهما على زنازين وسجون عديده ،سجنت فى سنترال رمسيس 7 ساعات ، فى قسم الازبكيه ليله ، فى معسكر السلام تسعه ايام ، فى سجن المرج عاما ، فى استقبال طره اربعه شهور ، فى ليمان طره شهرين ، فى ملحق وادى النطرون سته اشهر …
مابين امتحانات وجلسات ومحاكمات ، اعتدت الكلابشات والترحيلات وحزم الحقائب فى اى لحظه ، نسيت الاستقرار ، الفت الخوف حتى لم اعد اشعر به .
فى يوم السادس من اكتوبر عام 2013 م ، اغمضت عينى بقوه وفتحتها ، لم استيقظ.
فى يوم السادس من اكتوبر عام 2015 م ، لم ازل اغمض عينى من آن لاخر بقوه وافتحها ، تباعدت الفترات بين المحاولات وقل الامل ان استيقظ .
مر 4 اعوام ، ولم ازل احاول ولكن حتى هذه اللحظه ،لم استيقظ .”
مر أربعه أعوام وبقى 11 عام لأنه حكم علي ب 15 عام !