علاء احمد سيف الاسلام عبد الفتاح حمد (علاء عبد الفتاح) – صورة للناشط خارج محبسه

اسم السجين (اسم الشهرة) : علاء احمد سيف الاسلام عبد الفتاح حمد (علاء عبد الفتاح)

النوع الاجتماعي : ذكر

تاريخ تحرير أو نشر الرسالة : 3/27/2017

السن وقت الاحتجاز: 34 عام

الوظيفة – نشاط بالمجال العام: مدون ومبرمج – ناشط سياسي

مكان احتجاز المرسل : منطقة سجون طرة

صورة للناشط خارج محبسه

تفتَّح وعينا على الانتفاضة الثانية، وخطونا أولى خطواتنا تزامنًا مع تساقط القنابل على بغداد. نظرنا حولنا فوجدنا أشقاءً عرب يصرخون: «‬ليس على حساب كرامتنا»‬، وحلفاءً في الشمال يهتفون: «‬ليس باسمنا»‬، ورفاقًا في الجنوب ينشدون: «‬عالم بديل ممكن». أدركنا أن العالم الذي ورثناه إلى زوال، كما أدركنا أننا لسنا وحدنا.أيقنّا محورية تكنولوجيا المعلومات في صياغة العالم الجديد وأدركنا انكشافنا أمام الاحتكارات العالمية، لذا تبنينا البرمجيات الحرة مفتوحة المصدر كضرورة لتطوير المجتمع وتحقيق استقلاليته، وكأداة رئيسية في تحديث الاقتصاد وإنهاء تبعيته. بدأنا بالدعوة، درنا على كل الجامعات، طلبة تحاضر أساتذة. نظمنا مؤتمرات ثم تدريبات. استهدفنا كل الفئات،‬ من مدرسي مادة الحاسب الآلي بالمدارس الإعدادية، لطلبة الهندسة، للقضاة والصحفيين. ربطنا بين نقدنا للآثار السلبية لمنظومة الملكية الفكرية على البرمجيات وآثارها على صناعة الأدوية، فوجدنا أنفسنا منخرطين في قضايا اجتماعية كالحق في الصحة. ربطنا بين نقدنا للشركات الاحتكارية ونقد منظومة العولمة على أسس الليبرالية الجديدة، فوجدنا نفسنا في تقاطع مع طيف واسع من النشطاء حول العالم.
سعينا للفهم.‬ لم نكتف ببروشورات الشركات وبيانات المنظمات الدولية وتصريحات المسؤولين.‬ قرأنا كل المتاح، وشاركنا في ترجمة بعض منه، وتجادلنا حوله. ثم انطلقنا في كل اتجاه:‬ مبادرات في السوق، ومبادرات في المجتمع المدني، ومبادرات في أي فضاء وجدناه حرًا ولو نسبيًا، مشاريع فكرية، ومشاريع اقتصادية، ومشاريع تنموية، ومشاريع خيرية. نقدنا السلطات، وهتفنا ضد الحكام كما تعاوننا مع المؤسسات حين أمكن (نقابات، جامعات، بل وأحيانًا وزارات) تواصلنا مع من سبقونا، تعلمنا منهم وعلمناهم. في المجمل رفضنا إرثهم لكن احترمنا تجربتهم.احتل توطين التكنولوجيا صدارة أولوياتنا. انخرطنا في تعريب المعجم، ثم ترجمة واجهات البرمجيات، كما علمنا الحاسوب قواعد العد والهجاء والصرف، صممنا خطوطًا، طورنا برمجيات، بنينا مواقع إلكترونية. مع الاهتمام بالتوطين وهندسة اللغة زاد اهتمامنا باللغة والثقافة العربية. فشبّكنا المدونين العرب وشجعنا الفنانين والكتاب والباحثين والمترجمين على إتاحة إبداعاتهم وما تحت أيديهم من تراث. وأثناء العمل على دعم المحتوى العربي على الشبكة اصطدمنا سريعًا بقيود الرقابة ومحاولات محاكمة وتكفير وحبس الكلمة. هكذا انضممنا لصفوف المدافعين عن حرية الرأي والتعبير والعقيدة وعن حرية الصحافة والحريات الأكاديمية.كما أسسنا شبكات إلكترونية وحركات سياسية أسسنا أيضًا شركات تقدم حلولًا وخدمات واستشارات للسوق المحلية، وسعينا لإقناع مستثمرين بضخ أموال، وإقناع مؤسسات باحتضان مشاريع خلاقة. أسسنا معامل ونوادي للتكنولوجيا بعشوائيات القاهرة وقرى الصعيد. بنينا شبكات لاسلكية لمد خدمة النت في أرياف مصر. ثم دعينا لنقل تلك الخبرات لإفريقيا جنوب الصحراء فانخرطنا في شبكات تسعى لإقرار الاتصال بالشبكة ودعم اللغات المحلية كأحد الحقوق الاقتصادية والثقافية والاجتماعية الأساسية.عندما انتبه العالم لوجودنا وصرنا مادة لمراكز الأبحاث وقصة تهم المراسلين أصررنا على طرح سردية خاصة بنا، ورفضنا أن تُفرض علينا سردية، وحللنا وكشفنا ارتباط السردية المطروحة بمصالح وانحيازات لا تعبر عنا. لذا دُعينا للمشاركة في مؤتمرات في مدن جنوب وشمال العالم.اشتبكنا مع الواقع وحاولنا تغييره والتأثير عليه واستباقه والمساهمة في صياغته. كنا طبعًا من أضعف الأطراف الحاضرة ولكن كنا حاضرين. في كل خطوة اصطدمنا بقيود أمنية وعوائق بيروقراطية ومؤسسات متكلسة وعلاقات قوة غير متوازنة. في كل مسار مشينا فيه فُرض على طموحنا سقف شديد الانخفاض واستهلكت جهودنا في الكثير من العبث.شاركنا في هذه الرحلة أقران كثر، كلٌ في مجاله. بعد عقد من الغضب والحلم، من العمل والفهم، من محاولات الإصلاح والتأقلم مع الهوامش، من التجربة والمطالبة والاعتراض، وصلنا كلنا لنفس الملاحظة: أن العالم كله مأزوم وفي طريقه للتغير، وأن مجتمعاتنا ستُسحق إذا لم نشتبك مع هذه التحديات. ومنها وصلنا لنفس النتيجة الحتمية؛ أن النظام الحاكم عائق أساسي أمام إطلاق طاقات المجتمع لتجديد نفسه وتحديث مؤسساته حتى يتمكن من الاشتباك مع هذه التحديات. لذا ما تفاجأنا بالثورة وإنما طلبناها، وما استغربنا إلهامها لحركات احتجاجية في أوروبا وأمريكا، ألم تلهمنا احتجاجات سياتل وجنوة؟ ألم نحتج معًا ضد الحرب على العراق؟ ألم ترتبط جهودنا في التغيير والإصلاح بنقاشات مفتوحة ونضالات مشتركة ومجتمعات افتراضية جامعة لرفاق من كل القارات؟ثم هُزمنا، وهزم معنا المعنى. ومن يوم هزيمتنا ما طرح موضوع مركب إلا وسُفّه سريعًا حتى يصعب الفهم ويستحيل الفعل. فأزمة الطاقة سببها موظف مرتشي بيلعب في السكينة، أو سببها غزة، وأزمة الدولار سببها تعيين ابن أخو عبد الحكيم عامر أو شركات صرافة إخوانية.حسمت السلطة أمرها، فالمعنى خطر، والانتصار له جريمة، والمشغولون به أعداء، وما سلوكيات مثل التواصل مع العالم لمحاولة إدراكه والتأثير فيه، أو نقد أوضاع قائمة والتحذير من أزمات قادمة، أو الانخراط في عمل فردي أو جماعي بغرض التأثير على الأسواق والمؤسسات، إلا إرهاصات لحروب الجيل الرابع.قُضي الأمر. هُزمنا وهُزم معنا المعنى، وكما كنا في كل خطوة نتأثر بالعالم ونؤثر فيه، كانت هزيمتنا عرضًا وسببًا لحرب أوسع على المعنى وعلى جريمة أن يسعى أفراد لمجال عام عابر للحدود يسعون فيه لتقارب وتبادل وتواصل، بل وتشاحن يسمح بفهم مشترك للواقع، وبأحلام متعددة بعوالم بديلة.أنا في السجن سعيًا من السلطة لأن تجعل منا عبرة. فلنكن عبرة إذن ولكن بإرادتنا.‬ الحرب ضد المعنى لم تُحسم بعد في باقي العالم.‬ لنكن عبرة لا فزاعة، لنتواصل مع العالم مجددًا، لا للاستغاثة ولا للبكاء على أطلال أو لبن مسكوب وإنما لاستنباط دروس وتلخيص خبرات وتكثيف مشاهدات عساها تفيد المناضلين في زمن ما بعد الحقيقة.عن نفسي لم أخرج من عقد الغضب إلا بدروس بسيطة، أهمها أن كل محطة من محطات الجدل والصراع في المجتمع فرصة، فرصة للفهم وفرصة للتشبيك وفرصة للحلم وفرصة للتخطيط. حتى لو بدت لنا الأمور بسيطة ومحسومة وحددنا انحيازًا مبكرًا لأحد أطراف الصراع، أو انصرافًا مبكراً عن الأمر برمته، يظل انتهاز تلك الفرص لتعاطي وإنتاج المعنى ضرورة، بدونها لن نتخطى الهزيمة أبدًا.تعلمت أن السلطة مجرد عائق. التحديات الحقيقية أممية، لذا تتضاعف أهمية انتهاز فرصة الجدل عندما يتعلق الصراع بأمور تتخطى الحدود.أخيرًا، الانحياز للطرف الأقوى غالبًا غير مفيد. القوي لا يحتاج منك إلا ترديد جمله الدعائية. الضعيف كثيرًا ما يكون مزعجًا بقدر ما هو منزعج. صاحب حجة هشة ومنطق متهافت بنفس مقدار هشاشة موقفه من المجتمع وتهافت أسباب أمانه وبقائه. لذا، فالانحياز له ولو على سبيل التجربة، محفز لتفكير وتحليل وتقصي وخيال أعمق.كنا، ثم هُزمنا، وهزم معنا المعنى. ولكن لم نفنَ بعد وما قُتِل المعنى. ربما كانت هزيمتنا حتمية، ولكن الفوضى الحالية التي تجتاح العالم سيتمخض عنها عاجلًا أم آجلًا عالم جديد، عالم سيحكمه ويديره بالطبع المنتصرون، ولكن لن يقيد الأقوياء، ويصيغ هوامش الحرية والعدل، ويحدد مساحات الجمال وإمكانات العيش المشترك إلا ضعفاء تمسكوا بالانتصار للمعنى، حتى بعد الهزيمة.