اسم السجين (اسم الشهرة) : علاء احمد سيف الاسلام عبد الفتاح حمد (علاء عبد الفتاح)
النوع الاجتماعي : ذكر
تاريخ تحرير أو نشر الرسالة : 9/7/2014
السن وقت الاحتجاز: 34 عام
الوظيفة – نشاط بالمجال العام: مدون ومبرمج – ناشط سياسي
مكان احتجاز المرسل : منطقة سجون طرة
يوميات داخل قفص زجاجي
من المتوقع بديهيًا أن تنتفي معايير العدالة عن إجراءات محاكمتنا واحتجازنا كمعتقلين سياسيين، فنحن كما أكد رئيس الوزراء السابق – لسنا في سويسرا، و”الحداية ما بتحدفش كتاكيت”. رغم هذا، لم يتوقع أحد تكثيف الانتهاكات والمخالفات بهذا القدر في قضية واحدة، خاصة وهي في النهاية ليست قضية محورية في صراعات السلطة؛ فنحن لسنا – مثلًا – في مكتب الإرشاد. مع ذلك كان انعدام المنطق – قبل العدالة – سمة رئيسية في كل خطوات القضية، من تطبيق قانون التظاهر بأثر رجعي على وقفة أُعلن عنها قبل صدور القانون بأيام، إلى فض الوقفة باستخدام بلطجية ومخبرين بزي مدني رغم نص القانون صراحة على ألا يتم التعامل مع المظاهرات إلا بقوات شرطية بزيها الميري منعًا لأي لبس، ناهيك عن مرور قوات الأمن بخطوات التدرج الست لفض التظاهرات كاملة في مدة لا تتجاوز الدقائق الأربعة.
ورغم أن قانون التظاهر صُمِّم خصيصًا لحبس أمثالنا، فقد تمسكت النيابة بحقها في استخدام قانون التجمهر الذي أصدره الاحتلال البريطاني في ١٩١٤، وهكذا يكون قرار حبسنا صدر وفقا لقانونين – غير دستوريين – يفصل بينهما قرن كامل وحفنة ثورات وانتفاضات وأنظمة حكم.
ولا أعلم أيهما أكثر عبثًا، أن يتهمنا ضابط المباحث المشرف على فض (أو قمع) الوقفة بالقوة بسرقته بالإكراه، رغم أن العالم كله شاهد فيديوهات له أثناء مباشرة سحل وضرب المتظاهرين والمتظاهرات وهتك أعراضهم، أهذا أكثر عبثًا أم إصراره على أن واقعة السرقة حدثت بعد فض المظاهرة بساعة ونصف، وقت كان المتهمون أصلًا محتجزين في فناء مجلس الشورى وعربات الترحيلات. ينتمي سيادة المقدم لعائلة شرطية عريقة موزعة على مناصب قيادية بمختلف قطاعات الوزارة.
ولنتحرك بعيداً عن تفاصيل يوم تظاهرة الشورى الشهيرة وننتقل لملابسات الاحتجاز. أصدرت النيابة أمر ضبط وإحضار بحقي أنا وأحمد ماهر رغم تواجدنا أمام قسم شرطة القاهرة الجديدة أثناء استجواب باقي المتهمين. ليلتها – عندما تواترت أنباء عن ورود اسمينا في محضر التحريات – أخطرنا النيابة باستعدادنا للمثول أمامها. رفضت النيابة الاستماع لأقوالنا ثم أصدرت أمرًا بضبطنا وإحضارنا. أخذنا قرارا بتسليم أنفسنا والمثول أمامها وحددنا الموعد وأخطرناها، ورغم ذلك اقتحمت كتيبة كاملة من القوات الخاصة بيتي، وألقت القبض علىّ بعد الاعتداء علىّ وعلى زوجتي بالضرب وبعد ترويع كل سكان شارعنا. وأصرت قوة الضبط الباسلة على مصادرة أجهزة الاتصالات من المنزل – رغم عدم حيازتها إذن تفتيش. لم يفاجئني بعد ذلك قبول النيابة والمحكمة تحريز أحراز صودرت بشكل غير قانوني، لكن ما استغربته كان غياب هاتفي المحمول من هذه الأحراز. لكن يكفي فخرًا أن البيه الصغير ابن سعادة الباشا بتاع المباحث أو القوات الخاصة مستمتع باللعب به!!
طبعًا غالبًا لو اتهمناهم بسرقة حرز سيأتي الحكم بالبراءة “لإن ما فيش أحراز أصلًا” لعدم وجود إذن تفتيش. ولن أطيل عليكم بحكي – بمناسبة الأحراز – ما سمعت من حوارات عن أنواع المخدرات المفضلة لقوات التأمين أثناء احتجازي بمديرية أمن القاهرة، فقد كنت معصوب العينين غارقا في دمائي وبالتالي فشهادتي مجروحة!!
أخلت محكمة الاستئناف سبيل زملائي في القضية فصححت النيابة الخلل أولا بحرماني من فرصة الطعن على قرار الحبس لمدة أسبوع، ثم بإحالة القضية دون استكمال التحقيقات. وهكذا بقى ملف قضيتي في برزخ – عالقاً – لمدة أربعة أشهر استمر فيهم حبسي. في هذه الأثناء قررت جهة ما تجاهل كل من اعترف بتنظيم المـظاهرة أو المشاركة فيها، بل وأُخلى سبيل أغلبهم بدون التحقيق معهم أصلاً. ثم تقدمت مجموعة من الناشطات ببلاغات ضد أنفسهن واعترفن بتنظيم الوقفة والدعوة لها، ومع ذلك قررت النيابة أن مؤسِسات حملة «لا للمحاكمات العسكرية للمدنيين» غير جادات في التظاهر نصرة لمطلب حظر المحاكمات العسكرية للمدنيين في الدستور. ودفع هذا باقي المشاركين للبحث عن سبل بديلة لتسجيل اعترافاتهم مثل توثيقها في إقرارات بالشهر العقاري.. وتستمر المهزلة، فطبعًا تجاهلت النيابة بلاغاتهن – الموثقة بالفيديو – ضد ضابط المباحث إياه لإشرافه على ومشاركته في الإعتداء عليهن وتعذيبهن والتحرش بهن أيضاً.
نسينا أن نتوقف عند تفصيلة مثولنا أمام دائرة إرهاب في قضية تظاهر. المهم أننا مثلنا أمام المحكمة.
ولا يجب علينا الانشغال بمعرفة مدى عراقة أسر الأفراد المشكلين للهيئات القضائية المسئولة عن اتهامنا وحبسنا ومحاكمتنا ولا مواقع ذويهم، فحاشا لله أن نقف في وجه هذا الزحف المقدس – واحنا مش في سويسرا برضه، والمهم أننا مثلنا أمام المحكمة.
ما أقلقنا فعلا (برضه) كان وجود خصومة مباشرة بيننا وبين رئيس الدائرة، فقد تقدمنا منذ فترة ببلاغ ضده نتهمه بتزوير انتخابات ٢٠٠٥ بدائرة الدقي. القانون ينص صراحة على ضرورة أن يطمئن المتهم ودفاعه لهيئة المحكمة، وعلى ألا توجد أية خصومات بينهم. وقد جرى العرف على أن يتنحى القاضي الخصم بمجرد كشف الخصومة أو طلب الرد. ولكن رئيس دائرتنا – المنتقاه بعناية – تمسك بالقضية رغم أننا طلبنا رده. وبما أن العرف جرى بألا يحكم شامخ على شامخ حفاظاً على الزحف المقدس، فلم يُقبَل طلب رد قاضٍ في مصر منذ الحرب العالمية الثانية. ولأن الخصومة ذُكِرت صراحة كأحد أهم أسباب الرد فقد رفضت المحكمة نظريًا الطلب من الأساس، وادّعت سقوط حق الرد عني لأن الدفاع قبل بهيئة المحكمة، واستدلت على هذا القبول بفض الأحراز في الجلسة الأولي – رغم أن الدفاع رفض الفض رفضًا قاطعًا وذلك مثبت في محضر الجلسة، ورغم أن الأحراز من أدلة الثبوت لا النفي، أي أن الفض ليس اجراءً دفاعيًا في صالح المتهم أصلًا ولا يدل على اطمئنان دفاعه لهيئة المحكمة، ولن أعيد عليكم حكاية أن الاحراز مسروقة أصلًا.
أتت ذروة العبث في الحكم علينا غيابيًا بالسجن ١٥ سنة رغم حضورنا في المحكمة وقت الجلسة، ورُسخ هذا العبث في الجلسة الأخيرة بإرساء مبدأ أن المتهم الذي تواجد في القفص يوم الحكم “هاربًا” وبالتالي يعيد إجراءات المحاكمة محبوسًا – لو كان بقى في بيته وتخلف عن الحضور ما كان سيُحبس.
كل هذا العبث وتكدسه في قضية واحدة يدفعنا للإنكار أكثر من الاستنكار؛ نتصور أن ما يحدث مجرد انحراف مؤقت سببه ظرف طارىء تمر به البلاد، لحظة خارج التاريخ سيتم تصحيحها قريبًا بحكم محكمة عليا أو بعفو رئاسي أو بتعديل تشريعي أو بهبة جماهيرية. لكننا بتمسكنا بالإنكار نشارك في العبث والبعد عن المنطق، فلا شئ يحدث خارج سياق التاريخ. طالما حدث وخبرناه فلا يعقل إنكاره ولا إنكار أن له أسبابه. وكل الشواهد تدل على أن حالة الطوارئ هذه دائمة – كما هي دوماً – في بلادنا.
من منظور مؤسسات الدولة وأهل السلطة لا نمر الآن بانحراف، إنما عودة للمسار الصحيح، ولذلك لن تنصفنا المحاكم العليا.. فالدستورية يترأسها من أصدر القانون الفاسد نفسه، وسبق لها أن انتظرت عشرين عاماً للبت في عدم دستورية مواد الاعتقال الإداري في قانون الطوارئ. السجون مليئة بمن قضوا ثلاثة أرباع عقوباتهم بانتظار الجلسة الأولى لمحكمة النقض. ووهم العفو الرئاسي يفترض أن كل هذه الخروقات والانتهاكات تتم بدون إرادة سياسية مركزية، وهو ما يتنافى ليس فقط مع العقل وخبرة السنين لكن أيضاً مع ما أفصح به الرجل لكل من فاتحوه في الأمر.. لكن حقاً، انتظار العفو أو المحاكم العليا يبدو منطقيًا أكثر من انتظار الخير من البرلمان القادم، فلا قانونه ولا استمرار تأجيله ولا مواقف الأحزاب تبشر بأي شئ غير العجز والشلل. ومن باب زيادة الضمان لُغِّم الدستور بنص يجعل تعديل القوانين المعنية بالحقوق والحريات يعتمد على أغلبية شبه مستحيلة من ثلثي الأعضاء، لا تتسع قاعات المجلس أصلاً لحضورهم.. فما بالك باتفاقهم؟!
إن كنت تحملت قراءة هذا السرد الطويل ووصلت لهذه النقطة فأنت غالبًا مثلي لا تضع أملك إلا في الهبة الجماهيرية. لن أخفي تشاؤمي؛ فالشهور الثمانية التي قضيتها بين السجون والمحاكم امتلأت بفرص مواتية لتلك الهبة، ولكن لم يستجب لها سوى طلبة صغار دفعوا ثمن تمسكهم وحدهم بنذر من الحلم وكثير من الكرامة. ولا أرى أي مؤشرات لإنضمام أي قطاعات أخرى لهم دعمًا، ولا أرى أي مؤشرات لإنقطاعهم عن المحاولة غير عابئين بالثمن. لكني لن أدعّي أيضًا أن حراك الجماهير يتبع الحسابات المنطقية فقط. ليست هبة جماهيرية حقة إن لم تكن مفاجئة، ولن تكون ثورة إن لم تخرق منطق التاريخ لتغيره. ولكن يمكن أن نقول أن للهبة شروط يجب أن تسبقها وأسباب يجب الأخذ بها، وعلى رأسها أن نطرح نحن أسئلتنا، لا أن تُملى علينا، وألا نقبل بإجابات واهية تنكر واقعنا مهما كان بائسا.
لم أسرد تفاصيل العبث في قضيتي لتنشغلوا بأسئلة مثل: متى تخرج وكيف؟ اتركوا هذه الأسئلة للمعتقلين وذويهم ومحاميهم، اقترح عليكم الإنشغال بسؤال: لماذا تُتخذ كل تلك الاجراءات ضدنا؟ ما التهديد الذي نشكله ويستدعي كل هذا؟ ولماذا لا تكفي معنا الإجراءات القانونية الاعتيادية، رغم تحكم السلطة شبه المطلق في التشريع؟ وكيف يمكن أن يحدث كل هذا في دولة مؤسسات عريقة؟ ما الذي يدفع كل هذه المؤسسات والأفراد إلى المشاركة في كل هذه الانتهاكات؟ ما المصلحة؟ ولِمَ لا يشكل تعدد المؤسسات ولا تعدد الثورات ولا الدساتير عامل كبح كافٍ لمثل تلك الممارسات؟ أيمكننا إلزام الدولة باحترام قوانينها وقواعدها وإجراءاتها؟ أيمكن إصلاح المؤسسات والأفراد القائمين عليها بعد عقود من تلك الممارسات؟ وهل تزايدت وتيرة وكثافة العبث مؤخراً لدرجة تخرب فرص الإصلاح هذه؟ ما الثمن الذي سيدفعه المجتمع؟ بل ما الثمن الذي يدفعه المجتمع بالفعل نتاج تفشي انتهاك القواعد من قبل مؤسسات يُفترض أن وظيفتها ضمان الالتزام بها؟ ما ثمن تجاهل كل هذا لدرجة ألا ترمش لأحد عين حين يؤكد أحد المسئولين أن ما يحدث “عادي“ لأننا لسنا في سويسرا؟!
الأربعاء ٦ أغسطس ٢٠١٤
يوم الجلسة