عمر عبد العزيز حسين علي (عمر حاذق) – عن أحلامي أحكي لكم

اسم السجين (اسم الشهرة) : عمر عبد العزيز حسين علي (عمر حاذق)

النوع الاجتماعي : ذكر

تاريخ تحرير أو نشر الرسالة : 4/21/2014

السن وقت الاحتجاز: 28 عام

الوظيفة – نشاط بالمجال العام: روائي وشاعر

مكان احتجاز المرسل : منطقة سجون برج العرب

عن أحلامي أحكي لكم

عن أحلامي أحكي لكم تعلمون يا أصدقائي القليلين و يا إخوتي الكثيرين في محبة هذا الوطن ؟ أنا أفكر فيكم كثيرًا ودومًا. بعضكم لن ألتقي به أبدًا ، بعضكم قد ألتقي به على الورق أو في صناديق الرسائل الإلكترونية ، و إذا لم أُسجن مرة أخرى سأحظى بلقاء بعضكم بعد خروجي إن شاء الله… أكثركم لم أعرف شخصه ، غير أنني عرفتُ أحلامكم لبلدي وعرفتم أحلامي لها ؛هذا يكفي لأفكر فيكم ؛ لأحضنكم بقلبي ، و لأحكي لكم أحلامي و مكنونات نفسي لا أريد أن أعظكم و لا أن أعلمكم ؛ أريد أن أبوح لكم بشيء من أسراري التي لا يكاد أحد يعرفها.منذ أيام كنتُ منهمكًا في تصميم إحدى قطعي الجديدة من الأوريجامي ؛ هل قالت لكم أمي إنني بدأتُ أخيرًا في تصميم قطعي بعد أن كنتُ أطبق نماذج كثيرة من تصميمات فنانين آخرين ؟ تلك حكاية عجيبة سأحكيها لكم في هذه الرسالة. أقول لكم كنتُ منهمكًا حين وقع بيدي عدد جريدة الأخبار (مسموح ببيع الجرائد الرسمية فحسب وهذا من عذابات السجن ) فتصفْحتْها سريعًا لأعرف ما يجري في الدنيا فقرأتُ خبرًا عن انعقاد مجلس أمناء مكتبة الإسكندرية السنوي….نظرتُ إلى قطعتي الجديدة و كدتُ أبكي فرحًا و تأثرًا. ما أجملك أيتها الحياة !! عملتُ في المكتبة التي عشقتها منذ 2007 و قبل ذلك عملتُ مصححًا بالورقه دون تعاقد. و في إبريل من كل عام حيث انعقاد مجلس الأمناء برئاسة سوزان مبارك ،كانت المكتبة تتحول إلى خلية نحل لتلبية متطلبات الاجتماع. وكانت المشروعات الجديدة تُعرض للموافقة عليها أو رفضها ، فكان أصحاب الطموح يضاعفون جهودهم مترقبين قبل موسم الترقيات في يونيو التالي .قبل ثورة يناير كنتُ أراقب هذه الأجواء مأخوذًاً بالمغانم و الترقيات، وكنتُ قد نظمتُ عددًا من الفعاليات الشعرية متطوعًا لأن عملي كان مراجعًا لغويًا و محررًا وكنتُ قد تقدمتُ بمقترحات كثيرة لتأسيس وحدة إدارية للنشاط الشعري بحيث أتفرغ لذلك فأسد فراغًا ما لا يجوز لمكتبة عظيمة أن تغفل عنه لأنه لم يكن ثمة نشاط شعري منتظم بالمكتبة. تحمس عدد من الشعراء لمشروعي و أوصوا به سراج الدين مدير المكتبة ، الذي بدأ يلتفت لي وقتها وطلبني بمكتبه أكثر من مرة لأداء بعض المهام اللغوية والتحريرية (وفقًا لتخصصي الوظيفي) فكنتُ أفرح بذلك فرحًا كبيرًا و أمني نفسي بالأماني ، وكان بعض المقربين منه يؤيد مشروعي ، ويثنيعلى جهودي ، حتى أصبحتُ أقرب ما يكون لتحقيق أحلامي الشعرية والمهنية.كل شيء كان واعدًا ، جميلاً ، حتى أن بعض المديرين الذين كانوا يكرهونني أصبحوا لطفاء معي لطفًا مضحكًا … هنا قامت ثورة يناير ، تلك التي زلزلت كياني كله ، فتغير كل شيء. لم يعد ممكنًا أن أحلم بإدارة أي نشاط بعد أن قدم شبابٌ حياتهم وعيونهم وصحتهم ليصبح وطننا أجمل و أقل فسادًا.لذا قامت في المكتبة ثورة داخلية فذَبحتُ أحلامي كلها وخضتُ ثورتنا التي أُجُهضت بعد أن استفاد منها بعض كبار الثائرين منا ، ونالوا كثيرًا من الترقيات و القفزات المالية ؛ و هذا يعرفه كثيرون من زملائنا.الآن لا أذكر هؤلاء لأشتمهم و لا لأحقد عليهم ، بل لأتأمل الحياة كيف تفرقنا سبلها! فصلتني إدارة المكتبة فور صدور حكم الاستئناف عليّ لأنني “خطر على أمن الوطن من الداخل” (: وكان لي زميل من قيادات ثورتنا ، عرفتُ قبل سجني أن راتبه تضاعف أضعافًا ، و لا أريد أن أذكر تفاصيل أخرى لأنني لا أريد هنا أن أفضحه ؛ أريد أن أقول لكم إن شريط الذكريات ذاك دار كله في ذهني وأنا أنظر إلى سمكتي الورقية الحبيبة و أفكر في رفيق نضال قديم أجاد استثمار ثورتنا كما اجاد غيره. لا أشك أن هذا الرفيق يتقاضى الآن ، بعد الزيادات السنوية والترقيات، راتبًا لم يحلم بينما أنا أيضا أفعل شيئًا لم أحلم به : أصمم قطع أوريجامي و أحقق أحلامي كما لم أفعل من قبل.حكيت لكم في رسالة قديمة عن ورشة تعليم الأوريجامي التي نظمها الفنان الجميل أزأز بالإسكندرية منذ سنوات و التي أردتُ المشاركة فيها ثم استصعبتُ الأمر وأخذني طوفان المشاغل و العمل… ثم في سجن الحضرة حاولت التعلم وفشلت، ثم في بدايات أكتوبر الماضي ، بعد علمني السجن ، بدأتُ التعلم مرة أخرى ونجحت في تطبيق أصعب القطع التي صممها فنانو أوريجامي عالميون. وقتها حلمتُ بأن أصمم قطعًا مثل قطعهم بعد أن علّمتُ بعض زملائي هنا تطبيق تلك القطع. طلبتُ من أسرتي أن يسألوا أزأز الجميل فأجاب بأن النصوص المتوفرة لديه لتعليم كيفية التصميم كلها بالإنجليزية التي لا اجيدها ، و أكد على أهمية المحاضرات المباشرة أو على اليوتيوب في التعليم ووعدني مشكورًا بإدراج اسمي ضمن ورشة عمل سينظمها قريبًا لتعليم كيفية التصميم ، فقررتُ تأجيل الأمر حتى خروجي ، غير أنني لم أملك منع نفسي دائمًا من تأمل نماذج التصميم و كيفية تطورها من ورقة مربعة إلى قطعة فنية تكاد تتنفس بين يديّ.و في الشهر الماضي (مارس) كانت الكهرباء تُقطع يوميُا معظم النهار وعشنا أيامًا بالغة الصعوبة ، كتبتُ أثناءها قصيدتي الأحب إلى قلبي “إذا ما لقيتُك يا مصر يومًا” بعد انقطاعي سنوات عن كتابة الشعر ، ثم جاء نهارٌ شعرتُ فيه بملل شديد لأن نور الشمس لا يكفي للقراءة و لا للكتابة بعد أن ضعف بصري كثيرًا من الكتابة في الظلام بسجن الحضرة. لم أجد أمامي إلا بضع ورقات من ورقي الملون نجت ، لا أدري كيف ، من التفتيش الذي صادر ثروتي هنا ، وهي كتبي كلها و ورقي الملون كله ، و كانت الورقات القليلة لا تكفي لعمل قطع للأطفال.تناولتُ ورقة و بدأتُ أعالج تصميمها متكئًا على ما فهمته من أصول التصميمات السابقة وتكويناتها بعد أن طبقتُ نماذج كثيرة طوال الشهور السابقة ، فإذا بوردة تتشكل بين يديّ ، وردة توشك أن تتفتح ، فسمّيتُها ” مُجَّهْ” إهداءً لأمي التي أدللها بهذا الاسم بدلاً من “ماجدة”، و كان عيد الأم قريبًا. في الزيارة التالية أخذتُها معي فشكّ المفتش أنني أخبئ فيها شيئًا محظورًا فأصر على فتحها حتى تمزّقت. أحزنني ذلك أشد الحزن ، فكتبتُ لأمي القصيدة الأخيرة.ظننتُ أن الوردة مُجه كانت “حظ المبتدئ” كما قال باولوكويلهو، لكني منذ أسبوع ، وجدتُ نفسي أمسك ورقة أخرى لأصمم سمكة سميتُها “سُلُم” المهداة لأخي إسلام حسنين الفتى الريفي الذي قاده قدره إلى محيط المظاهرة فوجد نفسه من رجال 6 إبريل التي لم يكن يعرف اسمها !! أهديتُها له لأنها “مكعبرة” مثله ، ثم صممت طيرًا بحريًا سميته “لوئي” و أهديته لأخي لؤي لأنه وديع ،”حمال أسيه” كالطيور البحرية المهاجرة مهما بدا عليه من استفزاز لا يعرف سره مَنْ لا يدرك طبيعة “لوئي” الرائعة. ثم قررت تسمية قطعي القادمة بأسماء أصداقائي السجناء (باستثناء أمي التي تعاني أكثر مما أعاني من سجني )على طريقة الفنان الأمريكي المدهش سوك سونج الذي يسمي قطعه بأسماء أحبابه حفاوةً بهم.مؤخرًا أرسل سونج لأسرتي طردًا بريديًا كبيرًا يضم شحنة من ورق الأوريجامي الممتاز و كتالوجات لتصميمات قطع جديدة ، لم يُسمح بدخول أي منها إلى السجن ، وكنتُ قد أبلغتُ سونج بواسطة أسرتي التي وجدت إيميله على صفحته على النت ، بشكر جزيل على تصميماته الرائعة التي فرّحتْ أطفال السجناء فأجاب برسالة بالغة الرقة و بهدية أحلم باستلامها هنا لتوزيعها على تلاميذي لتطبيقها و توزيعها على الأطفال ، غير أن ذلك حلم بعيد المنال.ماذا إذن لو أنني الآن موظف مهم يتقاضى راتبًا كبيرًا و يترقى سريعًا ؟؟ كيف لي أن أختبر هذا الإحساس بالفخر والنجاح و محبة الحياة و التسامح مع قسوة الظروف ؟! لو انني كذلك لحققتُ أحلامي القديمة ، المشروعه ، لكنّ من أين لي أن أكتب روايتين و أعود للشعر بقصيدتين هما الأحب إليَّ و أصمم قطعًا فنية حلمتُ بتصميمها وعجزتُ من قبل عن تعلم تطبيقها فحسب ؟أعلم انني اختبرتُ في حياتي نجاحات كثيرة ، و أنني تذوقتُ ما صاحبهما من الفرح والفخر و التأثر و الانشراح ، لكنني أشهد أني لم أذق نشوةً كالتي ذقتها بعد إتمام قصيدة “إذا ما لقيتك” أو قصيدة أمي ، أو بعد إتمام تصميم سُلًم و لوئي و مُجّه (:كلما تذكرتُ ركود حياتي قبل السجن ، و صدماتي المتوالية في أصدقائي و زملائي و زميلاتي ، و توقفي عن كتابة الشعر ، فكرتُ أن الحياة جميلة معي لأنها ساقتني إلى السجن رغم قسوة أوجاعه. لذلك ، أوصيكم بمحبة الحياة (:”عمر حاذق21/4/2015