اسم السجين (اسم الشهرة) : عمر علي حسن عبد المقصود (عمر عبد المقصود)
النوع الاجتماعي : ذكر
تاريخ تحرير أو نشر الرسالة : 4/4/2016
السن وقت الاحتجاز: 27 عام
الوظيفة – نشاط بالمجال العام: صحفي بموقع مصر العربية وطالب بكلية التجارة بجامعة المنصورة
مكان احتجاز المرسل : منطقة سجون جمصة
أهدتني زوجتي كتاب
أهدتني زوجتي كتابا يحمل عنوان (إذاعة الأغاني) للكاتب العبقري المبدع عمر طاهر.. على غلاف الكتاب استعاد مصممه المتألق كريم آدم صورًا لأغلفة شرائط كاست تعود لحقبة الثمانينات والتسعينات لعدد من المطربين الذين تطربنا أصواتهم حتى اللحظة، إلى جانب مطربين اعتزلوا أو فارقوا دنيانا.
تجد على غلاف الكتاب صورا لأغلفة شرائط كاست للشباب خالد (ألبوم عايشة) ومحمد منير (شبابيك) و عمرو دياب ( نور العين ) و سهرة مع ( عدوية ) بالإضافة لعدد من أغلفة شرائط كاست لعمالقة الزمن الجميل كالسيدة أم كلثوم ( هو صحيح الهوى غلاب ) والعندليب ( صافيني مرة ) و فايزة أحمد ( نقطة ضعف ) .
ذيل الكاتب عنوان الكتاب على الغلاف بعبارة أو عنوان فرعي أو تصنيف للكتاب سمّها كما شئت ( سيرة شخصية للغناء ) في محاولة ناجحة جدا بالعودة بالزمن أو ( نوستالجيا ) الغناء ، و تماما كما ذكر عمر طاهر في مقدمة الكتاب المقتضبة و الموجزة : ( بينما تجري الحياة .. ثمة أغنية ما تدور في الخلفية ، وبينما تدور أغنية ما .. ثمة حياة تجري في الخلفية ) .
يذكر عمر في طيات الكتاب مواقف حياتية تخصه وعايشها ، كانت معظم الأغاني خلفية لهذه المواقف، وهو موقف لا تخلو حياة واحد منا منه، بل تكاد حياتنا كلها تبدو كشريط كاست مسجل على خلفيته مقاطع موسيقية أو أغاني ، فما أن تتسرب إلى مسامعنا أغنية حتى ننطق من فورنا ” الأغنية دي بتفكرني ب .. ” .
أنا شخصيا تعلق في ذاكرتي دائماً و أنا في مدينة ( جمصة ) أغنية الفنان علي حميدة ( لولاكي ) ، أتذكرها دائماً و أتذكر الأحداث التي كانت هذه الأغنية خلفية لها ، كنا في بداية التسعينيات نتوجه للمصيف بعد عودتنا من إحدى دول الخليج في إجازة الصيف إلى ( جمصة ) ، كانت مدينة تحت الإنشاء ، هادئة ، راقية ، كنا نذهب إلى فيلا ( داليا ) التي نستأجرها كل عام والتي تبعد بعض الأمتار عن فيلا صديق خالي المذيع اللامع آنذاك ( ميمي الشربيني ) ، حيث كانت المنطقة مقصداً لمن ينشدون الراحة و الهدوء والاستجمام.
كان والدي يأخذنا مساءً للمسرح لحضور مسرحيات للأطفال كانت أبطالها آنذاك الفنانة مي عبد الغني وعلاء مرسي وغيرهم .
كان الذهاب إلى المسرح في حد ذاته متعة بالغة، حيث إننا كنا نركب أتوبيسا خاليا تمامًا من الأبواب أو الشبابيك أو الزجاج أو حتى الصفيح، كان عبارة عن كراسي وإطارات و محرك .. ( الطفطف ) هذا كان اسمه .
كانت أول مرة في حياتي أدخل السينما، ومن يومها أدمنتها، كانت سينما صيفية بلا سقف، كانت هذه السينما تعرض 3 أفلام دفعة واحدة وبتذكرة واحدة، أذكر أنّ الإعلانات الافتتاحية قبل بدء عرض الأفلام كانت أفلام رسوم متحركة ( توم وجيري ) ، أذكرها جيدًا حتى إني نسيت الأفلام الرئيسية .
قبل أن نعود إلى الفيلا ( كانت أمي تأخذنا أنا وإخوتي للتسوق في سوق شعبية كبيرة ومكتظة بالباعة والمصطافين على حدٍ سواء ، أذكر حينها كنا نمر على أحد الباعة وكان يعرض بضاعته على ” ستاند ” خشبي كبير تتدلى منه سلاسل و خواتم و ميداليات تذكارية وكان إلى جواره كاست عملاق بداخله شريط أبيض اللون ( الكاست بدون باب ) ، كان شريط علي حميدة وكانت أغنية ” لولاكي ” تطغى على مسامع المارة بسبب صوت الكاست العملاق ، أذكر حينها أني وقفت أتراقص على نغمات الأغنية و أنا أقف في وسط دائرة بشرية شكلها المارة من حولي ، ولم يكتفوا بمشاهدتي وأنا أرقص بل شرعوا في التصفيق والتصفير و التشجيع ( ولموا عليا خلق الله ) .
تبرع أحد أصحاب المحلات والذي راق له المنظر والتجمع باعتبار أن الزحام أمام محله قد يجلب له زبائن أو يلفت الأنظار ، فلم يشأ للمولد أن ينفض فتبرع بإحضار طاولة خشبية عالية ثم حملني لأقف عليها وأكمل رقصتي ( واللي ما يشتري يتفرج ) ، لم أكن عندها أبالي بالناس ولا بالتصفيق والتهليل ، كنت أتراقص وأتمايل على أنغام ( لولاكي ) باندماج شديد ، وبتفانٍ نادر ، كنت سعيداً ، و أصبحت نجماً .
اليوم أنا لازلت في ( جمصة ) شديد الحراسة، السجن الذي بُني في ذات المكان وفي نفس المدينة التي كانت شاهدة على براءة الطفولة، اليوم هي ذاتها شاهدة على سجاني وزنزانتي و قيودي، شاهدة على عُمرٍ ضائع وأحلام مكبلة، لم أسمع لولاكي منذ زمن بعيد ، لم أسمعها منذ أهداني خالي شريط علي حميدة ( لولاكي ) بعد تلك الحادثة الشهيرة ، و كأنه كان يعلم أني لن أستمع إليها مرة أخرى فأصر على أن تُحفر في ذاكرتي حتى أتمكن من تذكرها عندما أعود إلى ( جمصة ) لكن بالتأكيد لم يكن يعلم أني سأعود إليها مكبلاً .. لولاكي ما حبيت.
عمر عبد المقصود
سجن جمصة شديد الحراسة