محتجز بسجن وادي النطرون – بائع الورد

اسم السجين (اسم الشهرة) : محتجز بسجن وادي النطرون

النوع الاجتماعي : ذكر

تاريخ تحرير أو نشر الرسالة : 7/1/2019

السن وقت الاحتجاز: غير معلوم

الوظيفة – نشاط بالمجال العام: –

مكان احتجاز المرسل : منطقة سجون/تأهيل وادي النطرون

بائع الورد

واقفاً على أحد الأرصفة في الميدان.. وبين لحظة وأخرى يدنو من أحد المارة يعرض عليه بضاعته،
ولكنه يلمح الماره تهرب بعيداً عنه و تهمس ببعض الكلمات، والحيرة تبدو على وجوههم و يهمسون بسخرية:
يالك من غبي! أيباع الورد فى هذا الوقت!
يتعجب كثيراً من الرد ويتساءل ماذا حدث؟!
يسمع بعض الكلمات من بعض المارة أن هناك قتلى و مصابون في أول الميدان.. ولكنه لم يدرك بعد ما يقال وما يحدث من حوله.
متثاقلاً ينقل خطواته و يحضن ورده بائساً وينظر له بتمعن؛ يملأ عينه بروعة الورد ويسأل نفسه، وعلامات الأسى والحزن تسيطر على سؤاله متى ينتهي هذا الكابوس!
فمنذ أيام كان هو بائع الورد الاكثر شهرة فى الميدان بل في المنطقة كلها، وكانت زبائنه تأتيه سعياً في وفود على الرغم من كثرتهم إلا أنه يعرف منال كل واحد منهم..
كان يرجع بيته كل يوم ووجهه مشرق متفتح كوردة في أفضل فصولها يعود إلى بيته بخطى متعسرة يطأطأ رأسه للأسفل في أسوأ صور الأسى..
يحمل ورده الجاف بين يديه كأب يحمل رضيعه، ينظر إليه بعين ممتلئة بالشفقة والحنين..
ينظر بعينه إلى ورده ولكن عقله قد سبقه إلى البيت حيث يستعد للمعركة القادمة؛ معركه تشبه كثيرًا معر كة الأمعاء الخاوية..
يصعد إلى بيته بخطى متثاقلة يدور فى ذهنه ذاك السؤال الذى ظل يقاوم إجابته منذ أيام!!
هل يمكن أن يتخلى عن ورده طوعاً أو كرهاً؟!
بمجرد دخوله بيته كانت زوجته تنتظره.. بادرته بسؤالها هل أحضرت خبزاً؟
لم يجبها وعلامات الأسى و الحزن تملأ وجهه؛ صرخت فيه زوجته ثانيًا ثم أمسكت بتلابيب ثوبه وعلى وجهها ملامح الجوع و التعب والحزن،
ولسان حال أطفاله: نريد أن ناكل يا رجل.. وَردُك لم يعد يطعمنا خبزاً.. سأفتته وألقيه في القمامة، يجب أن تبحث عن عمل يبث الحياة فى عروقنا ثانياً..
خرج مسرعًا من بيته باكيًا؛
ماذا يفعل وهو لايعلم مصدر رزق له غير الورد،
اتجه ناحية الميدان، و بالأخص ناحية الرصيف الذي كان يبيع عليه ورده..
صعق مما رآه.. الرصيف بأكلمه ملطخ بالدماء، ورائحة الدم طغت على رائحة الورد،
هاهو يلملم بقايا ورده الملطخ بالدماء،
هبطت منه دموعه فاختلطت بورده واختلطت بالدماء،
كم يشفق على ورده.. كم يشفق على رقته.. وجماله كم يشفق على زوجته وأطفاله،
أفاق من شروده و تأمل فى ورده على صوت الرصاص وأحس فجأة بوخزة في ظهره وتحسس بيده على مكانها فوجد يده ملطخة بالدماء، فأحس بأنفاسه تنسحب منه..
ظل يتمتم بكلمات لا تفُهم، لم يفهم منه إلا عبارته الأخيرة: “فى مصر لا ورد و لا خبر .. ورائحة الموت هى رائحة الورد”.
سجن وادي النطرون.