محتجز مجهول – هي

اسم السجين (اسم الشهرة) : محتجز مجهول

النوع الاجتماعي : ذكر

تاريخ تحرير أو نشر الرسالة : 3/20/2019

السن وقت الاحتجاز: غير معلوم

الوظيفة – نشاط بالمجال العام: –

مكان احتجاز المرسل : مكان احتجاز غير معلوم

هي

كانت الشمس تنثر ذهب أشعتها، فتغبر الآفاق دفئًا وتضيء كل شبر فيها، فتنساب في أذنيك زقزقة عصافير السعادة تشرع أجنحتها الرقيقة مستمتعة بالجمال الذي يشكل صفحة الحياة بريشة فنان متألق.

كانت هي مالكة هذه العصافير، وكان هو يحوط أنوثتها الآسرة برجولته الطاغية، أنجبت له زهرة جميلة عبق البيت بشذاها العطر، وأترعت الأجواء بضحكاتها العذبة.
بدأت أشجار أحلامها تثمر، كانا يرعيان أشجارهما مترقبين نضج ثمارها، حتى تحين لحظة القطاف، وتأتي المزيد من العصافير لتحط على أغصانها اللدنة!

فجأة..!!
اهتزت سماؤها بزمجرة رعدية غادرة، هبت على إثرها رياحٌ عاتية، تضرب الأشجار، وتحطم الأغصان، وتتلف الثمار، افترس الفزع قلبها المرهف، ففزعت إلى زهرتها تحيطها بذراعها.
انجلت الريح عن قطيع من الضباع المفترسة، تحيط معصمي فارسيها بالأغلال، مدَّت أصابعها المرتجفة، تريد أن تتشبث به – دفعوه بقسوة بعيدًا عنها..

انفجرت حمم عينيها في لوعةٍ وأسى – انشقَّت حنجرتها عن صرخة مذعورة – التفتت إليها .. احترق كيانها بابتسامة واثقة، وجبهة شامخة، وعينين متألقتين، فهمت ما أراد.. لا تدعيهم يشمتون في ضعفك، بل اعتزى بالحق الذي تحملين، والطريق التي تسلكين.

احتفى الحبيب عن ناظريها، فاختلت بضعفها، وانكفأت على وسادة الألم حتى اسودت مآقيها، وصرخات زهرتها تقطع نياط القلوب، صمَّتها إلى صدرها..
راحت تهدهدها حتى حط طائر النوم على عينيها، امتدت يدها إلى وجنتي نفسيها تكفكف دموعها، وتلعق جراحها، وتكتم آهاتها.. استعاذت بالله من الشيطان، توضأت.. صلت ركعتين.. دعت المنتقمبتضرع واضطرار.. أمسكت مصحفها.. شرعت تتلو:
“جنات عدن بدخلونها ومن صلح من آبائهم وأزواجهم وذرياتهم والملائكة يدخلون عليهم من كل باب، سلام عليكم بما صبرتم فنعم عقبى الدار”
اكتنفت السكينة قلبها، وانساب الصبر في عروقها.

امتلأ وجهها عزمًا، تمتمت في ثبات:
“إنا باقون على العهد”
طاعتها لربها، اتباعها لنهج نبيها، حبها ووفاؤها لزوجها، مسؤوليتها تجاه ابنتها .. هذه مجتمعة كانت دوافعها.
بذلت نفسها ومالها وصحتها عن حبٍّ فداءً لزوجها وللحق الذي امتُحِنَ في سبيله، أشرعت أسلحتها في وجه كل طامعٍ وعابث؛ لتحفظ زوجها في نفسها وماله.
ارتحلت خلفه إلى كل شعب من شعاب المجرمين سجنوه فيه، تضمد جراحه، وتقوي عزيمته.. صبرت حتى قصدها الصبر متعلمًا في جامعتها، انتزعت الوهن الذي حاول عبثًا أن يهاجم روحها، فمزقته إربًا..
أوصدت أبوابها في وجه اليأس القاتل، وتدرعت بحصون اليقين المنيعة، فما نفذ إليها سهمٌ غادر .. طالت سنون المحنة، وما زال حداؤها: “وأفضل العبادة انتظار الفرج”.

حاول الشيطان اللعين أن يتسلل إليها، قال موسوسًا:
– حتى متى يا مسكينة، وأنت امرأة في عمر الزهور تظلين في هذا الانتظار اليائس؟! جعلت تتلو:
– “إنا لننصر رسلنا والذين آمنوا في الحياة الدنيا ويوم يقوم الأشهاد.. فاصبر إن وعد الله حق فإما نرينك بعض الذي نعدهم أو نتوفينك فإلينا يرجعون”.
فولَّى مدبرا ولم يعقب!
وكما هبت الرياح، وزمجرت الرعود فجأة، فقد توقف كل شيء فجأة، وحدثت سنة الله في كونه، وجاء أمر الله كلمح البصر.. وأُهلِكَ الظالمون، فَأَفَلَت شمسهم، وأشرقت الأرض بنور ربها تصرًا وعزًا وتمكينا،
ورجع هو ولم تفارقه ابتسامته المعهودة، وعادت العصافير من جديد إلى أعشاشها الدافئة على أشجارها المتراقصة.