مصطفي الاعصر – تجارب قليلة

اسم السجين (اسم الشهرة) : مصطفي الاعصر

النوع الاجتماعي : ذكر

تاريخ تحرير أو نشر الرسالة : 7/29/2019

السن وقت الاحتجاز: غير معلوم

الوظيفة – نشاط بالمجال العام: صحفي

مكان احتجاز المرسل : منطقة سجون طرة

تجارب قليلة

تجارب قليلة لا يعود الإنسان بعدها مثلما كان ؛ أن يجرب الموت – مثلًا – في أحد أحبائه أو أن يعايش الموت – احتياطيًا – كسجين ..
وهذا الإنسان الجديد الذي يولد بعد انتهاء المحنة قد يعيش غربة أبدية عن ذاته ومجتمعه ومعارفه وأصدقائه ، قد يواجه احتقار الذات التي افتضحت ، وقد يختار الموت طوعًا كوسيلة فعالة للخلاص من السكاكين التي تمزقه ، أو ينغمس شعوريًا وفكريًا بشكل جذري في كل تجربة آتية بلا أي تفكير نقدي كوليد يحبو نحو الحياة ..
والأكيد أنه يُصاب بمرض البلادة وفرط الحساسية في نفس الوقت ، ليصبح شخصًا غريبًا مزعجًا ، صعب المراس ، لا يجيد التعاملات الإنسانية ، ولا يدري البشر العاديون كيف يسايرونه ، فتتولد لديه رغبة جديدة في الانعزال والبُعد المضني ، صراع جديد يمزقه إربا .. شئ أشبه بفيروس غريب يصيب المخ يمنعه من أداء وظائفه الإدراكية بالكفاءة المطلوبة ، شئ أشبه بخطأ فادح في البرمجة الإنسانية .
إن التجارب النفسية المؤذية كخيط دخان من تبغ السجائر المحروق ، قد تتلاشى في ثوانٍ إن تمكن الفرد من نفثها بعيدًا ، لكن آثارها المدمرة تظل رغم ذلك عالقة به رغمًا عنه ، كما يعلق الدخان بالرئتين والدماء والشعب الهوائية ، وكما تعلق نكهته بالفم لتعلن بوضوح لكل غريب قادم عن تقرحات في جدار الروح .. وكلما طالت مدة التجربة كلما ازداد الدمار .. فرفقًا بنا ، فنحن أكثر هشاشة مما نبدو ، وربما في ذات الوقت نكون أكثر صلابة مما تظنون .
للأصدقاء أقول :” ألازلتم تذكرونني في جلساتكم ؟!
لا أريد أن أخسر المقعد الأخير .”
مصطفى الأعصر